تامسومانت انرز
مْلِيدْ إِثِنْزَارْ خْوَانْثْ ثْمِزَارْ
أَغْرَمْ إِنِيرْزْ / قصبة إنيرز
الخميس, مارس 31, 2016
أصل التسمية:
تسمية إٍنِيرْزْ، على ما يظهر، قديمة ومتداولة قبل تملك الإخوة أحمد، وعبد الرحمن، ولحسن بن امحمد بن لحسن بن سعيد بن الولي الصالح سيدي لحسن بن مخشون “شبه جزيرة ما يسمى بتغزوت إِنِيرْزْ”، وبنائهم ” لأغرم إنيرز”. وهذا ما يستشف من الوثيقة المبينة أسفله، التي توثق لشراء الإخوة المذكورين لنصيب السيد لحسن بن عقى من أيت عقى، أي من فرع سيدي يوسف بن الولي الصالح سيدي لحسن بن مخشون، مما يملك في ” موضع يسمى عندهم انرز لغة بربرية قبالة تاغزوت موسى”، بحسب العبارات المستعملة في تلك الوثيقة، والتي نوردها هنا:
حسب ما أفاد به من سبقونا، فقبل أن تنتقل تلك الأرض إلى ملاكها من أيت مخشون، كانت في أيادي أناس من قبيلة مرموشة. وقد نقل عن أحدهم ذكره “أن تلك الأرض كانت من جملة أملاكهم وكانت تشتمل على أشجار حرجية (غابوية) كثيفة لدرجة كانت تستغل من ذئاب لافتراس ماشيتهم أثناء مرورها من ذلك المكان لتروي عطشها من ماء الوادي.
وبالرجوع إلى الوثيقة المذكورة، فمن المفيد التنبيه إلى أن تاريخ تحريرها يعود لشهر رمضان الأبرك عام ألف وماتين وثلاثة وسبعين للهجرة. ونظرا لكونها لا تتضمن أية إشارة إضافية يمكن من خلالها معرفة أي شيء عن بناية المسكن المعروف باسم “أغرم إنيرز”، فلا يمكن الجزم بوجود البناء المذكور في ذلك التاريخ أم لا زال فقط مشروعا وفكرة متداولة. كما لم تتضح بما فيه الكفاية كذلك، ملكية الموضع المعروف بإنيرز. هل كانت كلها في أياد مخشونية؟ أم مشتركة مع غيرهم ممن سبقوهم إلى هناك؟ وهل سبق للأخوة المشترين أن حصلوا على شيء من ذلك من قبل أم لا؟ هذه أسئلة لا نملك عنها إجابات واضحة وصريحة.
ولكن بناء على الشائع والملاحظ في أماكن مجاورة، وعلى طبيعة انتقال الملكيات من أياد متعددة ومختلفة، والتي غالبا ما لا تتم إلا بالتدريج، فعلى ما يظهرن فقد كان هناك نوع من التواجد المشترك في فترة من الفترات بين ملاك من مرموشة وآخرين من أيت مخشون، أو ربما من غيرهم في المنطقة كلها، وفي الضفة اليمنى على الخصوص للواد الذي يسيل هناك، باعتبارها الجهة التي تضم “أغرم إنيرز”، تلك البناية التي يجزم الأولون، أنها أول منشأة مخشونية تم تشييدها هناك. فإذا كان الجزء المبني عليها تلك البناية من جملة مشمولات البيع المنصوص عليه في تلك الوثيقة، فذلك يعني أن “أغرم إنيرز” جاء لاحقا للشراء وليس سابقا له. وهذا ما نرجحه ونعول عليه. إذ كيف يتم ذلك، والموضع المبني عليه لازال في ملك غير المعنيين بالأمر؟ إضافة إلى ذلك، فهناك وثيقة أخرى مؤرخة في 1292 هجرية توثق لاتفاق تم بين ملاكي مزارع إنيرز وباقي إخوانهم من فرع أيت سعيد أمخشون حول خدمة السد وجر ماء الري لمزارع تغزوت وإنيرز وإبورين. وهذه هي الوثيقة المعنية:
ويستشف من هذه الوثيقة أن ذلك الاتفاق لا يمكن التفكير فيه لو لم يكن ملاكوا مزارع إنيرز قد استقروا بالفعل في عين المكان وانشغلوا بإعمارها واستصلاحها واستغلالها. وعلى هذا، فيمكن إرجاع تاريخ تشييد “أغرم إنيرز” إلى الفترة الممتدة من تاريخ شراء الأرض السالفة الذكر إلى تاريخ إتمام الاتفاق المبين. وبذلك، يمكن تقدير عمره بحوالي قرن ونصف من الزمن.
وكما هو معلوم، فكلمة إِنِيرْزْ، كلمة أمازيغية محلية يقابلها مرادفة لمصطلحي ” الكعب “، في اللغة العربية، و”Talon”، في اللغة الفرنسية. وبالنظر إلى تضاريس الموقع المتحدث عنه، الذي هو عبارة عن شبه جزيرة تحاكي في شكلها قدم بشرية نحتتها مياه الوادي الذي يشق مدشرأيت مخشون والشعب المنحدر من مزارع لمدور، ينكشف لنا سر هذه التسمية.
فالمكان إذن شبيه بالقدم البشرية والمسكن المتواجد فيه، أي ” أغرم إنيرز” مشيد في الجزء الذي هو بمثابة “كعب” تلك القدم المخيلة.
الموقع الجغرافي :
يقع أغرم إنيرز على الضفة اليمنى للوادي المار بمدشر أيت مخشون، وبالضبط في الجزء المرتفع من “تاغزوت إنيرز”، فوق الجرف الموجود هناك في الزاوية المشكلة من الوادي والشعب المذكورين، والمقابل لمزارع “تاغزوت موسى” من الجهة الشمالية الشرقية.
وهو يرتفع ” أغرم إنيرز” عن سطح البحر بحوالي 1230 مترا. ويقع على الخط الطولي 4 درجات و23 دقيقة و37 ،05 ثانية غربا و الخط العرضي 33 درجة و 27 دقيقة و37 ،35 ثانية شمالا.
هندسة “أغرم إنيرز” وأساليب بنائه:
إذا ما استثنينا التموقع الاستراتيجي، فإن هندسة “أغرم إنيرز” هندسة بسيطة منسجمة مع طبيعة المنطقة وما جرت به العادة آنذاك وما سمحت به الظروف الأمنية والموارد المادية والبشرية. ويظهر أن الظروف السائدة إبان بنائه، أي ظروف وملاسات ما كان يعرف في تاريخ المغرب بــ”السيبة”، هي التي أثرت في مراحل التشييد وأساليبها. ومن المعلوم أن السيبة تعني الخروج عن طاعة السلطة المركزية لأسباب منها ضعف هذه الأخيرة وانتشار الأوبئة الفتاكة كالطاعون والكوليرا، والمجاعات الممية مما يؤدي إلى انتشار اللصوصية وانعدام الأمن وسريان قانون الأقوى أي قانون الغاب.
إضافة إلى ذلك فمشيدوه قليلوا العدد نواتهم الصلبة تتكون من الإخوة محمد وامحمد وعبدالله بن أحمد بن امحمد بن لحسن بن سعيد بن سيدي لحسن بن مخشون، وابني عمهم لحسن، وهما يوسف ومحمد. فكان منهم البناءون ومنهم العمال ومنهم الحراس والمدافعون. وكانت مواد البناء، عبارة عن أحجار من مختلف الأشكال والأحجام وملاط طينب لتثبيت وتجميع الحجارة وترتيبها . فكانت تلك المواد في يد وفي اليد الأخرى البندقية للدفاع عن النفس أو على الكثف. فخطط لــ”أغرم إنيرز” وبني على شكل مسطيل أقرب إلى المربع، بحيث لا يتعدى طوله حوالي 21 مترا وعرضه 18 مترا. وبذلك فمساحته تقدر بحوالي 370 مترا مربعا.
وكانت الأدوات المستعملة في البناء بدون شك بسيطة وقليلة لا تتعدى فأسا بسيطا مصنوعا محليا لدى حداد القبيلة، ومجرفة أو مجارف من خشب، ورافعة أو أكثرمن خشب كذلك لاقتلاع الأحجار، ومطرقة لتكسير الحجارة إن أمكن. هذه الأدوات هي السائدة في الماضي بحسب ما روته الشفاه وما يمكن استنتاجه من مشاهدة بعض البنايات القديمة. ولم تعرف الأدوات الحديثة من أنواع الفؤوس، والمجارف المتنوعة، والمعاويل، والرافعات، والمطارق المتعددة المصنوعة كلها من الحديد إلا مع تمكن عهد الحماية من بسط سيادته، قبل الطفرة والقفزة التي شهدتها أدوات البناء في عهد الاستقلال وخاصة في العقود الأخيرة.
ومع بساطة الأدوات المذكورة، فقد استطاع مشيدوا “أغرم إنيرز” من إنجاز منشأة من طابقين أرضي وعلوي يبلغ علوهما حوالي 5 أمتار وعرض جدرانها 50 سنتمترا أو أكثر، تتخللها من حين لآخر زخرفة بسيطة عبارة عن تركيبة مشهورة باسم “أَفَرْ نْثَزْدَايْثْ” (سعفة النخل) على غرار ما نرى في هذه الصور:
وفتحات إطلاق النار بشكل مائل Des Meurtrières في أماكن معينة للفاع وصد الهجمات المحتملة من الأعداء كما يتضح من الصورتين السابقة واللاحقة.
هذا ويحتوي ” أغرم إنيرز” على 14 غرفة على شكل مستطيلات ذات مساحات كبيرة، ولكن بنوافذ، إن وجدت، صغيرة. ويعود ذلك، على ما يبدو، إلى عزل الداخل عن الخارج حفاظا على الدفئ في الشتاء وشيء من الرطوبة في الصيف، وإلى أسباب أمنية ونذرة المنتوج المخصص لذلك.
والملاحظ أنه غالبا ما يتم تعويض النوافذ والمنافذ الجانبية ( أي المتواجدة على الواجهات) بمنافذ عمودية يطلق عليها ” ثِنْفِسْرِوِينْ” ( مفردها ثَنْفِسْرَ) أو” ثِزْنُثِينْ ” ( مفردها تَزْنُوتْ). كما يستعان أيضا على تهوية وإضاءة هذه الغرف بثقوب دائرية تفتح في الأبواب التي يقال لها أيضا “ثِوُّرَ” ( مفردها ثَوُّورْثْ) وذلك كما يتضح من صورالأبواب المدرجة في هذا المقال.
ولا بأس من الإشارة إلى أنه إلى جانب الإضاءة والتهوية، تلعب تلك الثقوب، التي يطلق عليها “إِيُورْنْ لْبِبَانْ” ( مفرها يُورْ لِبَابْ، ومعناه هلال أو قمر الباب)، أدوارا أخرى منها ما هو أهم ومنها ما هو ثانوي. فمنها تدخل المفاتيح بالأيادي لفتح الأقفال الخشبية التي كانت سائدة قبل أن تعرف الأقفال الحديدية سواء المصنوعة محليا من طرف الحدادين أو المستوردة فيما بعد من الخارج. كما تستعمل كمقابض لدفع وجر الأبواب، وكذلك كممرات للقطط، التي لا يمكن الاستغناء عنها في محاربة الفئران.
وارتباطا بالحديث عن الأقفال الخشبية، نشير إلى أن تلك الأقفال تستخدم على الخصوص في الأبواب الداخلية الخاصة بالغرف. أما بالنسبة للأبواب الخارجية، أو ما كان يطلق عليه في الأغرم الذي نتحدث عنه بــ” لْبَابْ أَمْقْرَانْ” ( أي الباب الكبير)، وهو المدخل الفريد والوحيد لكل أغرم، فإنه يسد من الداخل بـــما يعرف بـــ “أَدْعَّامْ” أو ” أَزْقُّورْ”، أي بدعامة خشبية صلبة لتفادي كل مفاجئة غير محمودة. أما اليقظة والتأهب لكل طارئ فيبقيان هما الركيزة الأساسية لتأمين سلامة المكان، معززة في ذلك بوجود كلاب شرسة لاتترك أي مجال لأي غريب عن السكان الأصليين لأغرم من الاقتراب منه.
وبصفة عامة، فعادة ما لا يترك الناس سواء كأفراد أو كجماعات، خيامهم أو دورهم بدون حراسة على مدار اليوم ومدار الساعة. فسكان هذه الإقامات عادة ما يكون كثر ينوب بعضهم عن بعض وحاضرهم عن غائبهم، لدرجة أن كل غياب او أي انشغال، لأي سبب كان، لا يؤثر كثيرا في عمارة واستمرار الحياة والنشاط اليومي في الإقامة أو الإقامات. ولهذا، فالسؤال الذي يتبادر إلى أدهان الناس ويكون على شفاهم عند الالتقاء في أية مناسبة هو: “وِينْ ثَجِّيمْ چْخَامَنْ/ إِثُدْرِينْ” في حالة الجمع، أو ” وِينْ ثَجِّيمْ چْخَامْ/ إِثَدَّارْثْ” في المفرد.
وبالرجوع إلى أساليب التعامل مع بناء هذا الصرح، فالملاحظ أنه قد تم التعامل مع الظروف المحيطة والإمكانيات المتاحة بنوع من الذكاء. وكمثال على ذلك، فقد استغلت الصخور والأحجارالكبيرة في إقامة الأسس والمستويات المتدنية من البناية وذلك، نظرا من جهة، لثقلها الذي لا يمكن رفعه إلى مستويات أعلى، ومن جهة أخرى لتقويتها ودعمها لأنها هي التي تكون عادة أكثرعرضة للنقب والاختراق من طرف السراق والمخربين. أما الأحجار الصغيرة فقد احتفظ بها للاستعمال في المستويات الأعلى.
وقد خصص الطابق الأرضي، الذي تمت تغطيته وسقفه بالكامل، أساسا لإيواء المواشي ولتخزين المؤونة البشرية والأعلاف الحيوانية. بينما وجه الطابق العلوي، الذي يمتاز بوجود فتحة واسعة في وسطه تحيط بها غرف من كل جانب، للاستعمال اليومي العادي والمناسباتي.
وعلى الرغم من التوزيع المذكور في الأدوار بين الطابقين، فإن ذلك لا يحول بطبيعة الحال دون استعمال بعض الغرف الأرضية في فصل الشتاء للاحتماء من قساوة الطقس وتجنب السلبيات الطبيعية. فغالبا ما يضطر الناس إلى البحث عن الدفئ، وتجنب البلبل الناتج عن القطرات المتسربة عبر السقوف الترابية، والذي يحول المساكن أحيانا، ولمدد تطول كلما طالت الأيام والليالي المطيرة والكثيرة التلوج، إلى ما يشبه “شلالات”، في كل مكان ولو كان ذلك في الاصطبلات والمخازن.
ففي الليالي القارسة، حيث تتدنى درجات الحرارة إلى ما دون درجة التجمد، يتم اللجوء إلى النوم في أكوام التبن المخزون. فتتحول بذلك تلك الأكوام، وخاصة بالنسبة للعزاب من “الرعاة” (جمع راعي وهو معروف)، و” الخماسة” (جمع خَمَّاسْ وهو المتعاقد للعمل مقابل الحصول على خمس المحصول)، و” الرباعة” (جمع رَبَّاعْ وهو المتعاقد للعمل مقابل الحصول على ربع المحصول) إلى أفرشة وأغطية مجانية وجاهزة للاستعمال. أليس للضرورة أحكام؟
هذا غيض من فيض من مظاهر الحياة في المناطق التي تتواجد فيها هذه البناية التاريخية التي نحن بصدد الحديث عنها. وقد يعد ذلك اليوم غريب وغير مستساغ. ولكن إذا تم وضعه في سياقه التاريخي، حيث لا وجود بعد للأسمنت المسلح، ولا للصفائح الحديدية، ولا لأجهزة التدفئة الحديثة، وبصفة مجملة، لكل مظاهر الحياة التي نعيشها اليوم، فقد يتفهم كل ذلك ويعذر من تصرف على تلك الحالة. فمظاهر الحياة اليوم وما وفرته من أسباب العيش الرغيد أنست عقول الكثيرين تفاصيل حياة من سبقونا وما عانوه من قلة المأكل والملبس، والمنتعل… وعطلت تفكير آخرين لدرجة ظنوا أن لا عيش إلا عيشهم وذلك على الرغم مما يشاهدونه، بفضل وسائل الإعلام الحديثة، من أنماط من الحياة مما لا يزال سائدا في عدة مناطق من العالم، والتي تقرب، على الأقل، إلى الأذهان تلك الحياة التي تحدثنا عنها، إن لم تكن صورا طبق الأصل لها. فلا وجه للمقارنة على الإطلاق بين حالنا اليوم وحال ما كان عليه بعضنا، ومنهم عبد ربه قبل عشرات السنين، وبالأحرى ما كان عليه الآباء والأجداد ومن سبقوهم. فالحمد لله والشكر له على نعمه التي لا تعد ولا تحصى.
الأهيمة الاستراتيجية لــ”أغرم إنيرز” وبعض مقومات صموده:
كما سبقت الإشارة إلى ذلك في المقطع المخصص للموقع، فموقعه ذلك يجعله متحصنا من ثلاث جهات بمعوقات طبيعية يصعب على الأعداء تجاوزها. فمن الجنوب الغربي الجرف والوادي.
ومن جهة الشرق، الخندق المحفور بواسطة الشعب المنحدر من المرتفعات الواقعة في الشرق ومن مزارع المدور. ومن الغرب والشمال الغربي، الوادي مما يجعل من الأرض التي أقيم عليها “شبه جزيرة” وهي التي تعرف بــ” تغزوت إنيرز”. وبذلك، فهو لا يمكن الولوج إليه إلا من خلال منفذين رئيسين يتواجدان على جهتيه اليمنى واليسرى في اتجاه الجهة الشمالية الشرقية، واللذين لم يبق منهما اليوم إلا منفذ اليمين كما يظهر من الصورة أسفله.
واحتسابا لكل طارئ، يتوفر المبنى كذلك على باب خلفي سري صغير موجود في الجهة الغربية يفضي مباشرة إلى الجزء الفاصل بين البناية والجرف الذي يحميها من الخلف الذي يعلو الوادي من الجهة الجنوبية الغربية، وذلك لإجلاء السكان عند الضرورة دون إثارة انتباه الأعداء. وهذه الوضعية تعطي امتيازا للساكنة في الدفاع عن المنشأة والتصدي للمهاجمين.
وبالفعل، فقد هوجم “أغرم إنيرز” من طرف الأعداء ذات مرة ولا زالت آثار الأعيرة النارية محفورة في ألواح بابه الرئيسي ليومنا هذا كما يتبين من الصورة أدناه
ولكن صد ذلك الهجوم وباء بالفشل وصمد “كُورُ الزنابير”، كما يحلو للأعداء الذين يأملون إحراقه وتشتيت شمل من فيه. وشاءت إرادة الله، عز وجل، أن يبقى ” الكور” مصونا يصارع تقلبات الزمن إلى يومنا هذا.
وفيما يتعلق بالهجوم المذكور، فقد تم ذلك ، بحسب ما سمعناه ممن يكبرنا سنا، ذات ليلة، حيث تجرأ الأعداء على الاقتراب ما من أغرم إنيرز بحوالي مائتي متر فأطلقوا النار على الباب ثم انسحبوا مسرعين. ولما صعدوا المرتفع المطل على تلك الإقامة وظنوا أنهم في مأمن من كل ردة فعل، نادى رئيسهم بأعلى صوت ” ما رأيك يا بن الحمقاء “؟ وهو نعث يطلقه الأعداء على “لمقدم أزان”. لم يكن رد هذا الأخير بالكلام، كما كان يظن ويتوقع المنادي، ولا بالسباب كما فعل هو، وإنما كان الجواب بطلقة نارية أولا ثم بالقول: وما رأيك أنت الآن؟ انقطع الكلام بين الطرفين ولم يعقف المغير، ولو نبس ببنت شفة لكان ربما مصيره الموت. فالطلق الأول للاختبار واستكشاف مكان تواجد العدو لأن سواد الليل لا يساعد بطبيعة الحال على الرؤية، التي يتم تعويضها بالحدس والتخمين. ولم يطل الوقت حتى علم أن الطلقة التي تم الرد بها على هجوم الأعداء واستفزازهم كادت أن تقضي على المستفز. فقد جزت ( قطعت ) حِمَالَةَ محفظته على كتفه. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن امحمد بن أحمد، أي لمقدم أمزان، كان بارعا في الرماية.
ومن مميزات الموقع الاستراتيجي لــ”أغرم إنيرز”، تمكينه من امتلاك الساكنة لأهم مقومات الصمود والاستمرارية. ومن تلك المقومات، قربه من مصادر الماء (الوادي في كل وقت وحين وعين ماء لتأميم ماء بارد للشرب في الصيف حيث يشتد الحر)، والقرب من الأشجار ( الغابوية والمتواجدة في المزارع) الضرورية لتأمين حطب الطهي والتدفئة، والقطع الخشبية اللازمة لصنع الأواني المنزلية ( قصع، معاليق، جفان…) والأدوات الفلاحية (محاريث، ومدارى…)، ومواد البناء ( جذوع وفروع الأشجار المستعملة في تسقيف البيوت. إضافة إلى ذلك، يتوفر أغرم إنيرز على بيدر خاص به لاستخراج الحبوب من المحاصيل ( سنابل القمح والشعير وعرانيس الذرة…) عن طريق الدرس بالدواب. وهو ملتصق بالبناية لتسهيل عملية حراسته وخزن المحاصيل المدروسة فيه، وذلك كما يظهر من الصورتين أسفله.
رواية المرحوم السيد علي أحمو أفتيس بخصوص بناء أَغْرَمْ إنيرز:
بحسب المرحوم السيد علي بن لحسن المشهور في حياته بـــ “علي أحمو أفتيس”، والذي توفي سنة 1992 عن حوالي مائة وعشرة أعوام، لم يعرف بالضبط تاريخ بناء أَغْرَمْ إِنِيرزْ. فكل ما يعرف عن ذلك فمصدره الرواية الشفاهية التي تذكر أنه شيد في عهد السيبة لمواجهة الأعداء من طرف ثلة من الغيورين وعلى رأسهم المرحوم المقدم الصغير بعد ما اشتد عوده، وأخيه محمد وأبن عمهما يوسف بن لحسن وغيرهم.
وبهذا الخصوص، فقد حكى لي عم الوالدة السيد علي أحمو أفتيس رحمهما الله أنه في زمن ما يعرف في التاريخ المغربي بــ”السيبة”،حيث لا سلطة تعلو فوق سلطة وتسلط القوي، فقد دأبت فرق من القبيلة المجاورة على الإغارة على منطقة المرس لسلب ونهب كل من صادفته في طريقها، ولاسيما من اليهود والحدادة المسيطرين على التوالي على التجارة وصناعة الحديد في قرية المرس، التي كانت من جملة نقط العبور للقوافل المتنقلة بين فاس وتافيلالت عبر ما كان يعرف آنذاك بـــ”طريق السلطان”. وقد كان، بطبيعة الحال، يتم التصدي لمثل تلك الإغارات من طرف فرق مدافعة من مختلف مداشرقبيلة أيت سغروشن، ولاسيما ممن كان يسكن المرس أو في الدواوير المجاورة له، كتغيت أيت يوسف، وتغيت أيت مخشون. وقد كانت تلك الأحداث وما تخلفه من مآسي تقع على مرأى ومسمع من طفل يافع إسمه امحمد بن أحمد سيلقب لاحقا بـــ”المقدم الصغير”، رحمة الله عليه، فتحز في نفسه، ويتحرق حزنا لعدم قدرته على المساهمة في التصدي لتلك العصابات التي كانت تعيث في الأرض فسادا منتظرا بفارغ الصبر متى يحين الوقت ويشتد عوده للمساهمة للقيام بذلك.
وما أن وجد الطفل المذكور في نفسه القدرة على حمل السلاح، حتى خرج مع المتصدين لتلك العصابة الناهبة. وذات مرة، وأثناء انسحاب إحداها، كعادتها حينما تنفذ مهمتها الخبيثة، مرت في طريق رجوعها إلى قواعدها بجوار منازل أيت بن علا في منطقة “تِجْدِيتْ” حيث كان يقيم ذلك الطفل وإخوته عند خالتهم بعد موت أمهم فخرج مع المتصدين في أثر الفرقة المغيرة. ولما وصلوا إلى المكان المعروف بمجمع الصالحين، ورأوا أنها قد فاتتهم بمسافة لا يمكن معها الالتحاق بها والاشتباك معها مباشرة، صوب بندقيته نحو كبير العصابة وهو يمر مع عصابته بالمكان المعروف بـــ” لْمْشْتَى”، فأطلق عليه النار. وكاد أن يقضي عليه ويصيبه في وقت لولا أن المسافة كانت بعيدة وأن إرادة الله حالت دون ذلك. فوقعت الطلقة على صخرة وتركت فيها أثرا بقي ظاهرا للعيان لزمن طويل وذكرى لمن جاء من بعد.
وقد تلقف المستهدف الرسالة وفهم مغزاها جيدا وعرف مصدرها. فخاطب رفاقه ” آحْ، جْمْعِيثْ إِخْفَوْنْ نُّوَنْ. إِمْقَرْ أُسْنُوسْ مِّيمُونَة ثَحْرَانْثْ. دَدْشْنْ إِخْلَ”. ومعنى ذلك، ” ويحكم، قد كبر جحش ميمونة الحمقاء وسيقضي عليكم”. وكان اولئك الأعداء لا يتحدثون ولا يذكرون الطفل المذكور وإخوته وكل من انتسل من المرحومة للا ميونة بنت أحمد، زوجة المرحوم سيدي امحمد بن لحسن بن سعيد بن الولي الصالح سيدي لحسن، إلا ومقرونا بكلمة قدحية غالبا ما تكون ” اَسْنُوسْ”، الذي يجمع على “إِسْنَاسْ” وهو إبن الحمار، أي” الجحش”، بالنسبة للأبناء، ” وثَحْيُوطْ”، أي الحمقاء، بالنسبة للا ميمونة المذكورة. والغرض من ذلك، بطبيعة الحال، الاستهزاء والاحتقار، حقدا وكراهية.
وبالفعل، فقد صدق حدس ذلك ” الزعيم”. ومن ذلك الحادث تغيرت الأمور وبدأ ميزان القوة يميل إلى جهة فرق أيت سغروشن، وفي مقدمتهم أيت مخشون، إلى أن تم القضاء، مع مرور الوقت، على فلول المغيرين بصفة نهائية ، سيما بعدما تمكن المقدم المذكور ومن معه من تشييد “أَغْرَمْ إنيرز” على الضفة اليمنى للوادي الذي يعبر دوار أيت مخشون في اتجاهه نحو نهر سبو المشهور.
ونظرا للدور الهام الذي لعبته شخصية امحمد بن أحمد الملقب بــ”المقدم أمزيان” في “كرنلوجيا” “حياة” “لأغرم إنيرز”، فسنصلط بعض الضوء على جوانب من حياته وحياة ولديه محمد ولحسن نظرا لبعض المميزات التي يمتازون بها.
ومضات من حياة “المقدم أمزيان”:
إسمه ونسبه:
هوالمرحوم السيد امحمد بن أحمد بن امحمد بن لحسن بن سعيد بن الولي الصالح سيدي لحسن بن مخشون المعروف المشهور في حياته بـــ” لْمْقَدَّمْ أَمْزَّانْ” (المقدم الصغير) والمتوفى حوالي عام 1338 هجرية الموافق لحوالي سنة 1920 ميلادية من مرض صادفه جراء مشاركته في حملة جهادية ضد جنود الاستعمار الفرنسي في منطقة على واد ملوية ما بين مدينتي ميسور وأطاط الحاج الحاليتين.
من مميزاته:
قيل عنه، رحمه الله، أنه إنساني، محب للمساكين، مجير للمستضعفين ومدافع عنهم، وأنه شجاع، كريم، حكميم، فطن وذكي. إضافة إلى ذلك، فقد كانت له مواهب كثيرة. وقبل هذا وذاك، فهو جد لعدد كبير من الأولاد والأحفاد وأحفاد الأحفاد. وسوف نحاول، فيما ياتي، أن نسلط شيئا من الضوء على بعض من هذه الجوانب.
1-“لمقدم أمزان” الأب لمئات النفوس البشرية:
خلف رحمه الله أولادا ذكورا وإناثا كثر. وممن بقوا على قيد الحياة إلى أن كونوا، على الأقل، أسرا، ذكران و13 بنتا، وهم: محمد ولحسن و3 فواطم، ورقية، وزنو، وخديجة، ورابحة، وعائشة، والكاملة، ومحجوبة، وميمونة، وثيفة، وزهرة. وقد كان العقب منهم جميعا إلا من اثنتين هما الكاملة وميمونة.
ومن هؤلاء المذكورين أعلاه، تناسل عدد من الأحفاد يصعب حصرهم. وهم منتشرون في عدة مناطق من وطننا العزيز، وموزعين على عدة فروع، مخشونية وغير مخشونية. ولإعطاء نظرة للقارئ الكريم عن خريطة المنتسبين عن قريب أو بعيد إلى الشخص المذكور، نحاول أن نستعرض اأسماء العائية للأشخاص المنتسلين من ولديه وبناته المذكورون سابقا.
فإلى ابنيه محمد ولحسن ينتسب الأشخاص الملقبون بــ” انرز” و”إنرز” و” انيرز” ومن انتسل من بناتهما. هذا، ولا بد من التذكير، أن الإسم العائلي “إنيرز” يحمله أيضا من انتسلوا من عائلة محمد بن أحمد أخ المتحدث عنه. كما أن هناك شخص آخر، لا يمت بالعائلتين بأية رابطة دم، يحمل هو الآخر نفس اللقب.
وإلى ابنته فاطمة الأولى، المتزوجة من المخشوني سيدي عقى بن لحسن من أيت عقى من فرع سيدي يوسف بن الوالي الصالح سيدي لحسن بن مخشون، ينتسب من يحمل الأسماء العائلية أفقير، وبلكاملة وكل الأسماء المختارة من طرف كل من صاهر هاتين العائلتين وتزوج من بناتهما.
وإلى ابــنته رقية، المتزوجة من المخشوني ســـيدي امحمد بن حمو، المعروف في حياته بالمقدم ” أمقران” و” بن زايد”، ينتسب من يحمل الإسم العائلي “بين الويدان” وكل الأسماء المختارة من طرف كل من صاهر هاته العائلة وتزوج من بناتها.
وإلى إبنته عائشة، المتزوجة من المخشوني سيدي سعيد بن علي أعاشور من أيت بوزيان من فرع سيدي سعيد بن الولي الصالح سيدي لحسن بن مخشون، ينتسب من يحمل الإسم العائلي “أمزيان” وكل الأسماء المختارة من طرف كل من صاهر هاته العائلة وتزوج من بناتها.
وإلى ابنته زهرة، المتزوجة من المخشوني سيدي لحسين بن أحمد من فرع سيدي سعيد بن الولي الصالح سيدي لحسن بن مخشون، ينتسب من يحمل الإسم العائلي “بوعجب”.
وإلى ابنته فاطمة الثانية، المتزوجة من المخشوني سيدي امحمد بن امحمد بن علا من فرع سيدي امحمد بن سيدي لحسن بن مخشون، ينتسب من يحمل الإسم العائلي “أفتيس” وكل الأسماء المختارة من طرف كل من صاهر هاته العائلة وتزوج من بناتها.
وإلى إبنته ثيفة المتزوجة من المخشوني سيدي سعيد أحمو من فرع سيدي امحمد بن الولي الصالح سيدي لحسن بن مخشون، ينتسب من يحمل الإسم العائلي “أجرد ” وكل الأسماء المختارة من طرف كل من صاهر هاته العائلة وتزوج من بناتها، مع العلم أن هناك فروعا أخرى تحمل نفس الإسم العائلي، ولكنها لا تعود في نسبها للمرحومين للا ثيفة وسيدي سعيد المذكورين.
وإلى إبنته محجوبة، المتزوجة من المخشوني سيدي أحمد بن العربي من فرع سيدي علي بن الولي الصالح سيدي لحسن بن مخشون، ينتسب من يحمل الإسم العائلي “بولحرمل” وكل الأسماء المختارة من طرف كل من صاهر هاته العائلة وتزوج من بناتها، مع العلم أن هناك فرعا آخريحمل نفس الإسم العائلي، ولكنه لا يعود في نسبه للمرحومين للا محجوبة وسيدي أحمد المذكورين.
وإلى إبنته خديجة، المتزوجة من السغروشني سيدي سيدي محمد بن عبد الله من فرع سيدي لحسن بن امحمد بن الولي الصالح سيدي علي بن يحيى، ينتسب من يحمل الإسم العائلي “السكوري” وكل الأسماء المختارة من طرف كل من صاهر هاته العائلة وتزوج من بناتها.
وإلى إبنته زنو، المتزوجة من السغروشني سيدي رحو من أيت العباس من فرع سيدي محمد بن امحمد بن الولي الصالح سيدي علي بن يحيى، ينتسب من يحمل الإسم العائلي “أرحو” وكل الأسماء المختارة من طرف كل من صاهر هاته العائلة وتزوج من بناتها. وبخصوص المرحومة للا زنوهذه، فقد ذكر أنها كانت ولودة بحيث خلفت أكثر من 16 عشر ولدا وبنتا مات جلهم دون سن الزواج. ولم يخلف منهم إلا ستة، ذكرا وخمس بنات انتسل منهم ما يتجاوز مائة فرد بحسب ما ذكره الابن المذكور.
وإلى إبنته رابحة، المتزوجة من السغروشني سيدي حمو بن سعيد من فرع سيدي يوسف بن بن الولي الصالح سيدي علي بن يحيى، ينتسب من يحمل الإسم العائلي “أجدي” وكل الأسماء المختارة من طرف كل من صاهر هاته العائلة وتزوج من بناتها.
وإلى إبنته فاطمة الثالثة، المتزوجة من السغروشني ( أيت سغروشن حريرة المتواجدين في محيط بوزملان) سيدي محمد بن لحسن من أيت عبدالله ألحسن، ينتسب من يحمل الإسم العائلي “لخليط” وكل الأسماء المختارة من طرف كل من صاهر هاته العائلة وتزوج من بناتها.
من خلال ما سبق، حاولنا رسم خريطة تقريبية لمن لهم صلة دموية بسيدي امحمد بن أحمد ” المقدم أمزان”. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على ما لهذه الشخصية من مساهمة في ربط أواصر المحبة والأخوة والتعايش بين عدة مكونات بشرية. وهذا ما يشرفنا باعتبارنا حفيده المباشر الباقي على قيد الحياة من ابنه والدنا سيدي محمد رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه. فأن تناديك عدة أفواه مخشونية وغير مخشونية ” خالي، خالي”، في بعض الأحيان في أماكن لا تتوقع أن تسمع فيها مثل ذلك، لعمري قمة الإعتزاز والفخر بهذا الجد العظيم. وهذا، بقدر ما هو تشريف، فهو أيضا تكليف يحتم أن يكون المنادى بتلك الكلمة العجيبة في المستوى المطلوب، وخاصة من حيث الوقوف من كل تلك المكونات على مسافة واحدة والسعي دائما لتقريب الأفكار وتجنب الشقاق والتنافر.
2- ” لمقدم أمزان الإنسان”:
حدثني أخي سيدي محمد، الذي يكبرني بحوالي 15 عاما والذي انتقل إلى الدار الباقية في 2 مارس سنة 2014 ميلادية، أن والدنا قد ذكر له أن أبيه أي جدنا سيدي امحمد موضوع بحثنا هذا، بينما كان ذات مرة في طريقه إلى سوق من أسواق المنطقة، ربما ما كان يعرف بــ”سوق تْبُودَا”، الذي قيل أنه كان يقام في المكان الواقع بين أيت موسى ومالوا أيت عبد الله على طريق تمسوال حاليا وبالضبط بالمكان الذي يتواجد فيه حمام الماشية، ولما صل إلى المكان المعروف بــ”تاسرا” وجد هناك شيخا وقورا بلغ من العمر عتيا خارج المساكن متوجها نحو الشمس يتدفأ من أشعتها الصباحية ويفلي ثيابه من القمل، وهو في حالة يرثى لها. فرق لحاله، وتخلى عن فكرة الذهاب للسوق. ثم سلم عليه وساعده حتى وصل به إلى عين ماء تتواجد هناك في الشعب المنحدرة مما يعرف بــ” لسير نخويا وثبوط أحطاب”. فأوقد النار، ودفأ الماء، وحلق رأس الشيخ، ورتب حاله، وأزال أظافره، وغسل له جسده و ثيابه. فتأثر ذلك الشيخ من ذلك تأثرا بالغا لدرجة الانفعال المفضي إلى البكاء، فدعا له وبالغ في الدعاء. وقد كان لذلك الدعاء أثر بارزو في حياة ” لمقدم أمزيان” إلى أن لقي ربه.
3- ” لمقدم أمزان الحكيم”:
طرح شخص أو أشخاص سؤال في مجمع كان يضم من ضمن رواده المقدم الصغير في تحد للحاضرين واختبار لفطنتهم وحكمتهم قائلا بالأمازيغية:
“مَا چاَّنْMaggan ثَمَرَ ثُبْخًّانْثْ؟” أي”ماهي أكبر رزية أو مصيبة أومشكلة”.
وبالطبع قدمت عدة أجوبة من قبل عدد من الأشخاص الذين كانوا يظنون أنهم أقدرعلى فك ذلك اللغز. إلا أنه ولا واحد منهم أصاب في جوابه.
وإذاك تم الالتفات إلى باقي الحاضرين عل الجواب يكون عندهم. ولما طلب من المقدم الصغير الإدلاء بدلوه في الموضوع أجاب بتواضع المتمكن بالأمازيغية متسائلا:
” أَسِيدِي أُرْسْ مدَدِسِينْخْ مَوْرْسِّينْ أٌدْمَاوْنُ إِيِيْزْوَارْنْ”Asidi oursmadadissinkh ajjawbakh khoydine ourjawbane wodmawen tsqssite zdathi أو ما شابه ذلك، أي ” يا سيدي لا أدري هل يمكنني أن أجيب عن الأشياء التي لم يجب عنها من سألتهم من قبلي “.
ولما ألح عليه مولاي امحمد، الذي كان يعظمه ويقدره حق التقدير لعدة أسباب منها أنه رب الزاوية وشريف وصديق حميم اختبر فيه الفطنة والذكاء والحكمة غير ما مرة، قال:
“أٌرِيِّينْ ثَمَرَ ثَبْخَّانْثْ خَاسْ وَنَّ مُيْيَّ مَمِّيسْ نْخَدْ إِبَاسْ أَفْغُولْ أَرَاسْ إِعْدَّلْ أَتِّيزْنْزْ نْخَدْ أَتِّنْغْ “.Ouriyine thamara thabkhkhanth khass onna moya mmisse nkhad ibbasse afghol orasse iâddal atizzanze oula atingh.
ومعنى ذلك:
” أكبر رزية أو مصيبة، أن يبتلى شخص بابن أو أب مختل عقليا، بحيث لا يمكن لا بيعه ولا قتله”.
فاندهش الحاضرون لذكائه رغم ما قد كان يبدو عليه مظهره من تواضع مقارنة بغيره ممن يتظاهرون بالوجاهة والزعامة وأقر له بالتفوق في الجواب.
وفي مجمع آخر طُلِبَ فيه من أحد كبارالقوم، قيل أنه كان يكنى “بُوفْرَاقْشْ”، تولي مهمة إعداد الشاي على الطريقة المغربية للحضور كما هو معهود في مثل هذه المناسبات. ولما أفرغ الدفعة الأولى من الشاي في الكؤوس، كما هي العادة دس من بينها الكأس الذي يحتوي على ما شطف من إبريق الشاي، وبطبيعة الحال يكون مرا خال من السكر وغير مستساغ بخلاف باقي الكؤوس. فطلب من الموزع توزيعها على الحاضرين الذين يتواجد من ضمنهم المقدم الصغير، وعين معد الشاي على الكأس المدسوسة ليعرف من ستكون من نصيبه. وبعدما تم توزيع الكؤوس وتيقن من الشخص الذي أصبحت من نصيبه الكأس المعلومة، انتظر لغاية انتهاء الجميع من احتساء الشاي الموزع، بما فيها الكأس المعلومة، لينادى في الحاضرين، متأسفا ومعتذرا بمكر الماكرين، أن الدفعة الموزعة من الشاي قد وزع معها خطأ كأس مر لم يكم في الأصل معدا للاحتساء، مستغربا عدم إبلاغ أي أحد عن ذلك في حينه. وبعدما لم يعترف أي أحد بتلقيه تلك الكأس، أشار بيده إلى المقدم الصغير، قائلا أظن أن الكأس المعلومة كانت من نصيبك فلماذا لم تخبر بها؟
أجاب المقدم الصغير ” وكيف لي أن أفضح الأمر. فكل ما يقدمه شخص يفترض فيه أنه محترم لشخص آخر، فهو إذن مقبول وغير مردود”. فتعجب “بفراقش المذكور” من لباقة جواب الرجل وحكمته التي لا يظهرلها أثر من خلال مظهر الخارجي. “فالمظاهر خداعة”. وبذلك، فقد عظم المقدم أمزيان في عينيه وبادر بالاعتذار له.
4- “لمقدم أمزان الذكي، الفطن والشجاع”:
تبرز القصص التالية ذكاءه وفطنته:
فالقصة الأولى، تتعلق بما جرى للمقدم أمزان مع عجوز جاءته ذات مرة مدعية أنها مريضة قصدته من أجل العلاج. ولكن بفطنته وذكائه استطاع أن يعرف حاجتها الحقيقية وهي التجسس عليه وعلى أغرم إنيرز. وبطبيعة الحال استقبل العجوز ورحب بها وأجلسها مع النساء في انتظار تهيئ ما تيسر من الطعام كما جرت العادة بإكرام الضيف وخاصة إذا أتى من بعيد. ثم انصرف ليخبر من معه من الرجال بحقيقة أمرها وأن يرتب معهم حيلة يقدمون من خلالها للأعداء بواسطة جاسوستهم معلومات مغلوطة تفث في عضدهم وربما تردعهم فيكفون عنهم أذاهم بصفة نهائية. فرب ضارة نافعة. فأمرهم بالخروج من البوابة السرية ومعاودة الدخول من الباب الرئيسي تحت مسامع وأنظار الجاسوسة التي سيقف معها بجانب الباب في انتظار أن يهيأ لها الدواء الذي جاءت من أجله ثم يعاودوا الكرة مرارا مع محاولة تغيير مظهرهم كل مرة إلى أن تذهب المرأة المذكورة لحال سبيلها.
وبالفعل، بدأ تنفيذ مراحل الحيلة والخطة المتفق عليها. فأجلس الجاسوسة بجانبه كما تم الاتفاق، وأتى بسلك فبدأ تقطيعه إلى أجزاء صغيرة والمرأة تراقبه في ذلك. وفجأة سألته، لماذا تقطع ذلك السلك وما ذا ستفعل بتلك الأجزاء الصغيرة؟ أجابها أنني أصنع منها أعيرة نارية فتاكة بالأعداء، لآن مساحة انتشارها كبيرة جدا وحظوظ إصابة عدد أكبر من الأعداء يكون قوية. ثم بدأ الأفراد الآخرين يأتون، فيسلمون على لمقدم ثم يأمرهم بالخول من الباب الرئيسي حسب ما هو مسطر في الخطة وأن يتوجهوا إلى حيث يقيم باقي رفاقهم في الداخل. وبطبيعة الحال، وكما طلب منهم، يحاولون دائما تغيير ملامهم وأصواته. وكلما سألته تلك المرأة من هم هؤلاء وما سبب مجيئهم ومن أين يأتون؟ يجيبها إنهم حراس من القبيلة يأتون كل مساء لتعزيز صفوفنا ضد كل هجوم محتمل. وكانت، كلما دخل فرقة، إلا وتعقد عقدة في خيط استقدمته معها لغرض احتساب وعد الأفراد المتواجدين أصلا بأغرم إنيرز. ولكن انقلب السحر على الساحر، فانطلت عليها الحيلة وحملت معها معلومات مغلوطة كانت هي السبب في كف الأعداء تحرشاتهم وتهديداتهم عن ” كور الذبابير” كما يحلو لأولئك الأعداء أن يسموا به قصبة إنيرز.
وبحسب ما تناهى من أخبار عن تقرير تلك الجاسوسة عن مهمتها، أنه لما رجعت إلى من أرسلوها، نشرت أمام أعينهم الحبل الذي كانت تعد فيه ” التعزيزات الوهمية”، فوجدوا أن لا طاقة لهم بمواجهة تلك الأعداد الهائلة فاستسلموا لليأس وكفوا أذاهم عن القصبة المذكورة.
أما القصة الثانية، فتروي ما وقع له مع خصومه الذين نازعوه البلاد المعروفة في المنطقة باسم ” تلعينت” وما جرى له في منطقة “ثَنْضَلْتْ تَغْرِيبْتْ” ( أي القبر الغريب، أي الوحيد) عند عودتهم من بلاد “أيت عْلِيهْمْ” حيث يوجد نائب قاضي الجماعة المعروف في فاس، حيث استأنف أولئك الخصوم حكما ابتدائيا جاء لصالح المقدم المذكور حول تلك البلاد.
وخلاصة تلك القصة، أن خصومه كانوا خمسة وأن المقدم كان وحيدا ومرافقا لهم في طريق رجوعهم إلى منطقة تالعينت. فلما وصلوا إلى المكان المعروف بـــ”ثَنْظَلْثْ ثَغْرِيبْثْ” أي القبر المُغَرَّب أوالمجهول، المتواجد في منتصف الطريق بين أيت مخشون وأيت ألمان، والقريب من المكان المسمى “إِيشْ أُعْلِي” بالنسبة للقادم من أيت المان، سولت لهؤلاء الخصوم الخمسة نفوسهم الغدر بالمقدم الصغير. فتربصوا له في شعب هناك إلى في انتظار التحاقه بهم، لأنه كان متخلفا عن موكبهم باعتبارأنه راجلا وهم ركبانا. إلا أن الله عز وجل كشف له ما أضمروه. فما أن اقترب منهم حتى فهم قصدهم فتثاقل في مشيته وخلع إحدى نعليه كما لو أنها السبب في تخلفه عن الركب محاولا إصلاحها بسكينه الذي لا يفارقه في سفره وبخيط من سعف شجرة الدوم. فلما وصل إليهم بادروه بالدعوة إلى الجلوس لمشاركتهم طعاهم الموضوع على الأرض، وفي نيتهم أن ينقضوا عليه حينما ينحني للجلوس إلى الأكل ويضربوه ضربة رجل واحد فيقضوا عليه. ولكن المقدم فطن للمكيدة فأبدع عذرا يبرر به عدم الانحناء والجلوس إلى الطعام عما بالقول المأثور “الحيلة أفضل من الحرب أو الشر”. فما أن سمع من زعيمهم:
” أَسَيدِي الْمَقدم، أَوْرْدَّاشْ أَنْسَّارْ أَيْنْ إِقْسَّمْ سيدي رَبِّي. وَخَّ نْتْمْدْعَى أَغْرُومْ دَتْنْمُّوشْ”.
أي ” أسيدي المقدم، تقدم لنقتسم ما تفضل الله به علينا من طعام. فالخصومة والتقاضي لن يمنعنا من دعوة بعضنا بعضا إلى الطعام”.
حتى رد عليه المقدم الصغير:
” ربي أدِيْ لْبَرَكَ، سْكْمِيدْ لْحْقِّينْوْ خِخْفْ نْثْفَالَ إِسِشُّورْنْ إِفَاسَّنْ سُغْرُوسْ”.
أي ” بارك الله في مطعمكم. ناولوني نصيبي على حد مقدمة سكيني لأن يدي ملوثتنان من جراء خصف نعلي”.
فما كان من ذلك الزعيم، إلا أن سارع إليه مقبلا جبهته مطالبا الصفح ومقرا بحقه فيما يخاصمونه عليه وهي بلاد تلعينت قائلا:
“أَقَايْ زُكِّيسْ أَخْثْغَلَبْثْ أُلاَدْ إِثَدْ أُرَاخْ إِقٍيمْ مَنْغَنِنِ خَاسْ أَدَاشْ نْسَلَّمْ”. أي ما معناه، “الآن، وقد تفوقت علينا حتى في هذه ( أي المكيدة)، فلم يبق لنا إلا أن نسلم لك الأمر”.
وبالفعل، أصبحت البلاد المذكورة ملكا خالصا له بدون منازع ، فوهب جزءا منها لأخيه الأكبر محمد بن أحمد، وبنى فيها منزلا رغم تواجدها خارج نطاق دوار أيت مخشون بعيدة بحوالي ثلاث كيلومترات وسط الغابة ومحاطة بأملاك خصومه وغيرهم ممن لا ينتسبون لأيت سغروشن، أي بعيدة عن أي مغيث يغيث في الحال، إلا الله عز وجل. وقد استمر في استغلال تلك الأرض إلى أن مات وتركها لمن أحاط بميراثه ، أي ابنه محمد على الخصوص، حيث بنى فيها منزلا جديدا واستمر في استغلالها بدوره حتى وافته المنية. ولا زالت الأرض المذكورة في ملك ورثة المذكورين رحمهم الله. أما المنزلان، فقد أتى عليهما الدهر وأصبحا أطلالا. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
في حين تخص القصة الثالثة، بحسب ما ورد على لسان المرحوم السيد على بن لحسن المعروف بعلي أحمو أفتيس، ما تم بينه وبين شخصين، يكنى أحدهما “مُومُّو” والآخر “أُعْلاَّ”، والذين قررا ذات مرة الاتجار في المواشي وخاصة، الخراف، والأكباش، والتيوس وذلك من خلال شرائها من مربيها بالقرض على أن يؤدى ثمنها المتفق عليه بعد البيع.
وبالفعل، شرع المعنيان في تنفيذ خطتهما، وتمكنوا من استغفال عدد من الناس وجمعوا عددا من رؤوس الماشية. ولما سمعوا أن لدى المقدم الصغير عددا من التيوس الجيدة قصدوه ليشتروها منه بنفس الطريقة التي طبقوها مع من سبقوه. إلا أنه، فاجأهم بما لم يكن في الحسبان. فقد امتنع كلية أن يسايرهم في فكرتهم وأبى أن يبيعهم ما لدية من تيوس إلا بعد أداء ثمنها حالا ودون انتظار نتيجة البيع. فلما ألحوا وعليه وطلبوا منه تبرير عدم استجابته لما أرادوا كغيره ممن اشتروا منهم مواشيهم بالوعد فقط، سأل من كان يدعى منهما بــ” مومو”، ما اسمك؟ فأجابه ” مومو”، فقال له المقدم الصغير: ” فأنت إذن من كانت أمي تخوفني بك حينما كنت صغيرا؟. فقد كانت دوما تقول لي حينما تريد أن تنهرني وتمنعني عن شيئ، إحدر من مومو وارجع إلي. أو أسرع عندي لكي لا يدركك مومو. فلن أسلمك إذن التيوس إلا حينما تسلمني ثمنها. وإلا فليترك كل واحد منا الآخر وشأنه”.
وقد برهنت الأيام على صدق حدس المقدم الصغير، حيث تبين أن الشخصين كانا محتالين. فقد نكثا وعدهما ” ولم يؤديا ما عليهما من ديون تجاة مربي الماشية. وكان ” مومو” كلما طلب منه أداء ما بذمته، وكشف الحساب، إلا ويرد: “أن الحساب عند أعلا” ، أي عند زميله المتواطئ معه. و” أنه لا زال ينتظرمجيئه ليعطي لكل ذي حق حقه”. وبعد مرور الوقت، تبين أن “أعلا” ذاك قد مات، وبالتالي يستحيل إعطاء أي حساب دنيوي. فما كان من المنصوب عليهم إلا أن سلموا أمرهم لله في انتظار يوم الحساب في يوم القيامة.
5- ” لمقدم أمزان المساهم في تخفيف الآلام”:
كانت له رحمه الله مساهمات مشهود بها في مجال معالجة الجدري، وداء الكلب ( أي السعر)، والعيون، والأسنان، والصرع، وفي مجالات أخرى كجبر الكسور، والأمراض الباطنية وغيرها ولاسيما بواسطة الكي والأعشاب الطبية واللبخ.
6- “لمقدم أمزان المحامي والراعي “:
من الأشياء المتداولة عن حياة المقدم الصغير أنه كان يحمي المضطهدين ويدافع عن حقوق المستضعفين ويستوفيها لهم. ومن ذلك، أنه دافع عن حق طفل حاول أخاه الأكبر هضم حقه في الميراث من أبيهما بدعوى أنه ليس أخاه وليس من صلب أبيه. فاستجار ذلك الطفل بالمقدم أمزيان فأجاره وحماه وأخذ له حقه. وهذه الواقعة كان يشهد بها أحد أبناء ذلك المستجير إلى أن فارق الحياة رحمه الله سنة 2014 ميلادية عن سن تجاوز التسعين سنة.
وفي نفس السياق، فهناك مكانيين معروفين يدخلان في الدائرة الترابية لدوار أيت مخشون يحملان اسمين من أسماء أشخاص أو أسر مرموشية يقال أنهم هاجروا إلى المنطقة مستجيرين هم أيضا ممن نحن بصدد الحديث عن خصائه وخصاله ومواقفه. ويتعلق بــ” ثَسْهْبِيثْ نْثَهْرُوشْثْ” و”أَسْمَنْ أُزْرُوفْ”.
والجدير بالذكر، أن الحماية المطلوبة لا يمنحها المقدم الصغيرعن طريق إيوائهم في قصبة إنيرز المنيعة، وإن كان ذلك ممكنا وسهلا، وإنما عن طريق تبني قضاياهم علنا و من ثم شمولهم بالرعاية المادية والمعنوية والالتزام بالدفاع والدود عنهم بكل الوسائل المعلومة في وقته إن اقتض الحال. لذلك، يعين لهم مكانا لنصب خيامهم والإقامة فيه، غالبا ما يكون ذلك في الأراضي التابعة له أو الخلاء القريب منه. وما ذلك إلا إمعانا منه في إبراز شجاعته وقوة نفوذه وتحد واضح لخصومه وخصوم حلفائه ومستأجريه.
وفي نفس السياق، أي فيما يخص شجاعته، لا بد من الإشارة إلى أنه إضافة إلى تملكه لأرض تالعينت السابق ذكرها، والتي تتواجد خارج مزارع أيت مخشون ووسط مزارع فرع من قبائل مرموشة، فإنه كان يمتلك كذلك أراضي شاسعة في ” إِسُوشا” وسط أراضي فرع آخر من فروع تلك القبيلة وخارج المزارع المخشونية. وكانت له مع عدد من المنتمين لتلك الفروع منازعات كما يتضح من الوثيقتين التاليتين:
وهذا إن دل على شيئ، فإنما يدل على شجاعته وتحديه لخصومه. فلا غرو، فقد اختبرهم واختبروه منذ أن كان يافعا كما سبق لنا أن تحدثنا عن ذلك فيما سبق.
ومما يؤكد لجوء البعض إليه للدفاع عنهم، ما ورد في الوثيقة الموالية، المؤرخة في 1329 هجرية، والتي تعتبر بمثابة نص وكالة من مرموشي من “أيت السمح”، كان يدعى المسيح لحسن، وذلك للدفاع عنه وأستيفاء حقوقه بخصوص نزاع على أراضي . وهذه هي الوثيقة:
وارتباطا بأمر المستضعفين، وانسجاما مع خصلة الكرم التي ترعرع عليها، فقد قيل أن إقامته كانت بمثابة ” زاوية”، يقصدها الداني والقاصي، وأنها بمثابة مأوى لمن لا مأوى له ولا كفيل يكفله، وملجأ لمن يقصده للعلاج أو للحماية.
7- “لمقدم أمزان صاحب أحوال خاصة”:
مما ذكر عنه، أنه وقعت له بعض الأشياء أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها غير عادية. ومن ذلك، ما وقع له مع خصومه أيت جافر كما تم تفصيل ذلك من قبل في المقطع المخصص لذكائه وفطنته وشجاعته، مما أثار ويثيرتساؤلات حول سر اكتشافه للمكيدة التي دبرت له. أهي مجرد تخمين وفطنة وذكاء وصـــــدفة؟ أم كان ذلك مبنيا على سر غيبي كشف له أو رؤية منامية أو يقظة رآها ؟
هذه التساؤلات ستجد مبررا لها وستزداد بمعرفة ما قالته عنه إحدى زوجاته. فقد ذكرت تلك المرحومة أنه أثناء غيابه في سفر، تسمع أحيانا صوته يناديها مما يسمى ” ثِشُّوثْ إِمْزِيلَنْ” ( كدية الحدادين)، وبالضبط من المكان الذي تتواجد فيه شجرة زيتون يرية تعرف بــ” أَزَمُّرْ”، وهي ربوة تطل على الجزء المسقي من بلاده في تالعينت، لينبهها إلى وجود انقطاع للماء الذي تسقي به الأرض فيحثها على الذهاب إلى مكان معين لمعالجة الأمر. وبالفعل كانت تذهب إلى المكان المحدد لها فتجد الوضع كما تم وصفه في النداء فتزيل الحوائل وتصلح المفسد من المجاري.
وقد كانت في أول الأمر تظن أن الأمر مجرد خدعة منه يوهمها بالسفر بينما هو يختبأ ليراقبها من بعيد. لذا كانت كلما عاد من سفره “المزعوم” تبادره بالقول: أين ذهبت اليوم الفلاني بعدما ناديتني من المكان الفلاني؟ ولماذا لم تصل إلا الآن؟. ولكن كانت دائما تسمع نفس الجواب أنه إذا ناداها أحد حتما لم يكن هو. وأنه لم يصل من سفره إلا للتو. ولما تكررت مثل هذه الحالات عرفت أن في الأمر سر ولم تعد تطرح حوله أي تساؤل. بل تعايشت مع الأمر بصفة عادية.
وعلى ذكر هذه الحالة، التي يمكن لنا أن نسميها “حالة خاصة”، فقد وقع ما شابهها لشخصين أحدهما مخشوني، في مكان آخر، ومن نوع آخر. ويتعلق الأمر بما حكاه المرحوم الشيخ أحمد، ( من حفدة سيدي يوسف بن أمحمد بن الولي الصالح سيدي علي بن يحيى) حول ما جرى له مع المرحومين المخشوني السيد أحمد بن امحمد ( من أيت عبد الخالقو من فرع سيدي سعيد بن الولي الصالح سيدي لحسن بن مخشون) والسيد امحمد بن عبد القادر المشهور في حياته بـــ” مولاي محند ( أحد القيمين الذين تناوبوا على القيان بأمور الزاوية السغروشنية المشهورة بــ ثمانية عشر ضامنا” وهو من أحفاد سيدي أحمد بن امحمد بن الولي الصالح سيدي علي بن يحيى، والذي انتقل إلى دار البقاء سنة 1925 ميلادية). ذلك، أنه في يوم من الأيام والشمس تميل إلى المغيب، نادته سيدة من مسافة بعيدة. فلما رد عليها، قالت له “إن مولاي محند يقرأ لك السلام ويطلب منك زيارته هذه الليلة لأنه في أمس الحاجة إليك”. فلما انتهت من كلامها، وخوفا من أن يكون ذلك مكيدة وخوف من احتمال استغلال أعدائه تلك الدعوة لينصبوا له كمينا فيوقع به، وهو المعروف بذكائه وحذره الشديد وتوجسه من أعدائه، رد عليها بكلام فظ غليظ ليوهم كل من يستمع إليه أنه لن للدعوة الموجهة إليه من مولاي امحمد. وهو بالطبع يريد فقط أن يوهم الأعدار بعكس ما هو عازم عليه فيخلوا له الطريق ويضمن سلامته.
ولما ذهب الجزء الأكبر من الليل وعم السكون، وتيقن أن الناس قد ناموا، خرج متسللا في ليلة حالكة لا يكاد يرى أين يضع رجليه، ولم يشعر أحدا ولو من أهل بيته. وإمعانا منه في الاحتياطـ، غير الطريق الاعتيادية التي تؤدي مباشرة إلى المكان المقصود وسلك بدلها مسالك ملتوية أفضت به إلى المرور بالقرب من منازل ما يعرف بــ ” سْهْبُ عِيرْ”. وقد صادف مروره من هناك تواجد المرحوم أحمد بن محمد السالف الذكر في بستان له يسقي الذرة ليلا دون أن يعلم بذلك الشيخ أحمد. فلما وصل إلى مكان محاد للبستان المذكور، تفاجأ بصوت يناديه:
” مْسْلْخِيرْ أَحْمَدْ ألْحْسَنْ. رْجَ أَدَاشْ أُوشْخْ شَلْمَانْتْ أَتْثَوِيثْ إِمُولاَيْ مْحَنْدْ”. ومعنى ذلك:
” مساء الخير يا أحمد ألحسن. إنتظر كي أعطيك أمانة توصلها إلى مولاي امحمد”.
توقف شعر رأس أحمد ألحسن واستغرب كيف عرف ذلك المنادي بقدومه والمرور من ذلك المكان في مثل تلك الساعة من تلك الليلة الحالكة، وهو الذي لم يخبر ولو فردا من أسرته بسفره ولا بالمسلك الذي سيسلكه. انتظر بالطبع، وهو خائف يترقب وعلى استعداد لكل احتمال. وما هي إلا لحظات حتى التحق به المنادي وهو يحمل في ذراعيه حزمة من بواكيرعرانس الذرة، بادرا إياه بالقول:
” أَوْيَاسْ إِمُولاَيْ مْحَنْدْ أَدْيِنِ لْعْقْبَيْمَالْ إِثَضْرَثِينْ”. أي ” خذ هذه إلى مولاي امحمد ليتذوق غلة هذا العام من هذه العرانس “.
ثم ودع بعضهما البعض، واستأنف الشيخ أحمد طريقه. وأثناء ما تبقى من الطريق، شعر بالجوع، فلم يجد إلا تلك العرانيس. فجمع الحطب وأوقد ثم قام بشيها كلها وأكلها. ثم تابع طريقه. ولما وصل إلى مولاي امحمد، بادره هذا الأخير بالسؤال عن الأمانة التي معه، وماذا حل بها؟ توقف الشعر مرة أخرى فوق رأس السيد أحمد ألحسن وكأن رأسه صار جبلا. فما كان منه إلا أن اعتذر بشدة لمولاي امحمد، طالبا منه ومن أحمد بن محمد الصفح، مبادرا إلى سؤاله: كيف لأحمد بن محمد أن يعلم بموروه من ذلك المكان وفي ذلك الوقت من الليل؟ وكيف لمولاي امحمد أن يعرف أن له هدية من هذا الأخير ؟ فأجابه مولاي امحمد بما معناه ” إن عمي أحمد بن محمد من أهل الله أو من أهل النوبة وأنه لا يقل عني ذلك شأنا “.
مقتطفات من حياة ابنيه محمد ولحسن:
ففيما يخص محمد، المعروف في حياته بـــ” محند المقدم”، والذي يظهر في الصورة أسفله، فأهم ما يميز حياته مشاركته في الجهاد ضد المستعمر الفرنسي حيث ظفر بشرف التضحية بجزء من دمائه دفاعا عن هذا الوطن العزيز.
وقد كان ذلك بسبب الجروح التي أصيب والتي أدت إلى كسر مرفق يده اليسرى على إثر اشتبارك مع جنود إحدى تحصينات العدو المقامة حول قرية المرس التي اتخذها كمركز لإدارة عملياتها بالمنطقة بعدما استولى عليها في يونيو 1923.
وارتباطا بما سبق لكونه، في نظرنا، يخدم مصلحة التلاحم الوطني الذي تعد الوحدة درعه الواقي ضد كل عدو، وصخرته التي تتكسرعليها مناورات وهجمات الأعداء، فقد ساهم مساهمة فعالة في ترسيخ خصال التلاحم بين مكونات ” الجسد المخشوني” وفي تكريس وتعزيز روابط القرابة التي أسس وأصل لها والده “المقدم أمزان”. وقد كان ذلك من خلال الاقتران بثلاث زوجات من نسبه، تنتمي كل واحدة منهن لفرع من الفروع الثلاث المنحدرة من الولي الصالح سيدي لحسن بن مخشون. ويتعلق الأمر بفروع سيدي علي، وسيدي محمد، وسيدي سعيد. وبذلك ازدادت الأواصرالتي تجمع بين ذرية سيدي لمقدم أمزيان وباقي مكونات الأسرة المخشونية التحاما ومتانة.
إضافة إلى ما سبق، فقد كان يمتاز بسداد الرأي وبعد النظر في عدة أمور أهمها، المبادرة إلى تقديم طلب لبناء القنطرة التي شاءت الأقدار أن لا ينعم بالاستفادة منها إلا لسنوات معدودة بحيث وافته المنية في مستهل صيف 1955 ميلادية. وقد كان ذلك الطلب، على ما شهد به أكثر من واحد من أيت مخشون ومن باقي فروع قبيلة أيت سغروشن، هو السبب بعد إرادة الله ومشيئته في إنجاز تلك القنطرة. وقد كانت تلك الفكرة جريئة في ذلك الوقت وكانت تقابل بالتبرم والرفض من البعض المسخرين في نطاق إنجاز القنطرة، لدرجة أنهم كانوا في بعض الأحيان لا يتفرقون بعد الانتهاء من عملهم إلا بالدعاء جماعيا على محمد المقدم بما يحفظونه من أدعية غير طيبة. ولكن شاءت إرادة الله أن يُتَرَحَّم عليه بعد موته بعدما لمس الناس فوائد تلك القنطرة. فصارت مخفرة له بعد موته ولعقبه لدرجة أنه غالبا ما لا تذكر أو يذكر إلا مقونين. وهذا ما سمعت شخصيا من كثير ممن التقيت بهم سواء من أيت سغروشن أومن مرموشة. وهذا ما أشهد به والله خير الشاهدين.
علاوة على ذلك، فقد كانت إقامته، رحمه الله، على غرار أبيه، مثل ” الزاوية”. وقد تكفل بعدد من يتامي أخواته وغيرهن، وبعدد ممن ليس لهم مأوى ولا كفيل. كما كان مدافعا عن حقوق المستضعفين ولا تأخذه في قول الحق لومة لائم. ومن المواقف المنسجمة مع هذه المواقف، ما شهد به المرحوم مولاي علي بن محمد المعروف في حياته بــ”علي أبن علا تالوزت”. فبحسب ما أفاد به هذا الشخص، والذي يمكن تلخيصه فيم ايلي:
فقد جاء محمد المقدم المذكور، ذات ليلة من ليالي إحدى السنوات العجاف، شخص إسمه “علي ابن حدو”، وهو يحمل بعض أوانيه النحاسية بقصد رهنها لدى محمد المقدم مقابل الحصول منه على شيء من القوت. فاستقبله، هذا الأخير بكل لطف ووعده خيرا طالبا منه، أن ينتظر إلى حين حظور الطعام العشاء ليتناوله معهم. فلما حظر الطعام، لم يأكل منه إلا القليل. فلما سئل عن سبب ذلك إحجامه عن الطعام، أجاب أنه يريد أن يستأذن في أخذ ما قد يتبقى إلى عياله الذين تركهم يتدورون جوعا وليس عندهم أي شيء يقتاتون منه. فطلب منه المضيف أن يأخذ ما يكفيه من الطعام، واعدا إياه أنه سيعطيه ما يكفيه لإطعام عياله. فلما أراد الشخص المذكور الانصراف، قضى حاجته التي جاء من أجلها، وسلمه الطعام الجاهز الذي سيحمله لعياله. ثم قال له، أنت جئت هذه الليلة بأوانيك لترهنها لدي مقابل الحصول على شيء من القوت، وقد وجدت عندي، ولله الحمد، مرادك. فارجع بأوانيك ولندعوا الله أن يمن علينا بمحصول جيد هذا العام، وإلا فلدى من سأرهنها بدوري في العام المقبل؟
هذا، ولا نريد أن نختم هذه العجالة عن الوالد محمد المقدم، رحمه الله، دون التعرض لما باح لنا به أحد الثقاة حول ما قاله لـ” طالب”، ( إسم يطلق في المنطقة وفي مختلف مناطق المغرب على الحافظ لكتاب الله المعلم ” للمحضرية”، أي المتعلمين أثناء حفظ القرآن الكريم)، تعاقدت معه جماعة أيت مخشون.
فبحسب ذللك ” الثقة”، الذي كان أحد “المحضرية” ( التلاميذ أو الحفاظ الذين يحفظون كتاب الله على يد الطالب السالف الذكر)، فقد سمع الوالد رحمه الله، أي محمد المقدم، وهو يخاطب ذلك الطالب بنبرة حادة ” شْكِّينْثْ دَدَاشْ إِبْيْ إِجْ أُدَارْ نْخَدْ عَادْ أَدَاشْ بِّينْ قَاحْ سْنَاثْ” ، أو ما يشبه هذا القول. ومعنى ذلك، “أنت سوف تفقد إحدى رجليك إو لم تفقدهما جميعا”.
و قد شاءت إرادة الله عز وجل أن تصدق “نبوءة” هذا الرجل بعد حوالي ثلاث عقود من موته. وقد شاهدنا ذلك بأعيننا. فلله في خلقه شؤون. ولا شك أن ذلك “الحكم” لم يصدر منه من فراغ ، وإنما جاء نتيجة ملاحظات وربما مشاهدات لم يستسغها. وقد قيل عن ذلك الطالب أنه كان يقوم يتصرف تصرفات أقل ما يقال عنها أنها لم تكن في مستوى مكانته كحامل لكتاب الله.
وفي الختام، نشير إلى أنه ، اي الوالد محمد المقدم رحمه الله ، كان من الذين حصلوا على شواهد المسابقة الفلاحية التي نظمتها مديرية الفلاحة سنة 1948.
أما فيما يتعلق بابنه لحسن، المعروف في حياته بلحسن المقدم، والذي يظهر في الصورة أسفله، فقد شارك هو الآخر رغم صغر سنه في الجهاد ضد المستعمر وجرح هو الآخر. وهذه هي صورته :
ولكن ما ان استسلمت تشكت، حتى سارع إلى الانخرط في سلك الجندية. وبذلك، قد يكون أول مخشوني يلج تلك الوظيفة. وقد مكنه ذلك من تحسين وضعيته المادية والاعتبارية وأن يِثر ذلك إيجابا على كل العائلة. فكان يأتي إلى أيت مخشون على صهوة جواده، يوم كان الجواد بمثابة السيارة في عصرنا أو أكثر. وتمكن من بناء ” الورقة” ( منزل مسقف كله بأعمدة وألواح خشبية مصفوفة بطريقة بديعة)، التي لا نظير لها آنذاك بأيت مخشون، وقد كان ذلك في مستهل الثلاثينيات من القرن الميلادي العشرين. كما تمكن من شراء منزلين في مدينة صفرو. وله السبق كذلك على المستوى المخشوني في تحقيق عدة أشياء أخرى منها : الحصول على رخصة السياقة، وجواز السفر… إلا أنه مع الأسف لم يعمر طويلا، فقد انتهت حياته بطريقة غامضة حيث أودع في السجن حسب ما ذكرته الرواية الرسمية لسلطة الاحتلال قبل أن ينتقل إلى دار البقاء، رحمة الله عليه، في أواخر سنة 1936 أو مستهل سنة 1937 ليدفن في مدينة تزنيت.
وبخصوص موته، فقد ادع سجانوه أنه وضع حدا لحياته في زنزانته بواسطة آلة حادة (شفرة الحلاقة). بينما ذهب ما تسرب من بعض أصدقائه، بعد رحيل الاستعمار، إلى أنه أعدم بعدما اكتشف أنه منخرط في خلية من خلايا ما كان يعرف آنذاك بــ” الوطنيين”، أي المقاومين الوطنيين الذين ينشطون في المدن والذين أخذوا مشعل الكفاح والجهاد ضد الاحتلال الفرنسي ممن سبقوهم في مختلف مناطق المغرب، بعدما تم إخضاع آخر معاقل المجاهدين في مناطق أيت عطا وأيت بعمران سنة 1934 ميلادية.
وإذا ما صحت المعلومة التي تتحدث عن انخراطه في الحركة الوطنية المسلحة ضد المحتل، ولا نرى سببا آخر غير ذلك لأن بحسب ما ذكر كان ناجحا في حياته وكانت له بنت لا يتعدى عمرها ثلاث سنوات وزوجتين وغير ذلك من الأسباب التي تجعل الآنسان متشبثا بالحياة، إضافة إلى أنه بطبيعة الحال كان مسلما، ويعلم علم اليقين ما ينتظر المنتحر من عذاب أليم في الآخرة. وعلى كل حال، فبناء على إفادة أصدقائه، فيستوى إذن إعدامه وانتحاره، لأن الأمر قد يكون وراءه في الحالة الأولى الانتقام منه وفي الحالة الثانية الحرص منه على الحفاظ على أسرار وسلامة الخلية التي ينشط ضمنها . فرحمة الله عليه وعلى كافة الذين قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الله وفداء للوطن.
ومعلوم أن الفترة المذكورة، سنتي 1936 و1937، تمتاز بالنسبة لبلادنا ببداية ما كان يعرف بالمقاومة المسلحة في المدن أوبالحركة الوطنية. وبالنسبة لفرنسا الدولة المحتلة، بحدوث اضطرابات وإضرابات صاحبت وصول الاشتراكيين إلى سدة الحكم. وعلى الصعيد الدولي بنمو وتعاظم المشاكل الناجمة عن استيلاء النازيين برئاسة أدولف هتلرعلى الحكم في ألمانيا، وتنامي النازية التي ستبلغ أوجها باحتلال عدد من الدول المجاورة لألمانيا مما سيفضي إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية في سنة 1939.
صور تؤرخ للتأثير الزمني على “أغرم إنيرز” ومحيطه:
وسوف نختم هذه النبذة عن “أغرم إنيرز”، باستعراض شريط الصورالذي يؤرخ لبعض التأثيرات الزمنية والتغيرات التي طرأت على هذه المعلمة وعلى المحيط المجاور لها، والتي توجد اليوم في أنفاسها الأخيرة.
وقد كان أملنا أن نحولها إلى متحف لحفظ الذاكرة المحلية، إلا أنه يظهر أن الظروف سوف لن تساعدنا على ذلك. فتعدد الأشخاص الذين لهم حقوق وراثية على هذا أغرم، يصعب المامورية. إضافة إلى ذلك، فبعد مراكز التزود بالمواد الضرورية، وصعوبة المسالك المؤدية إلى أغرم إنيرز، خاصة بعد جرف القنطرة، ونذرة اليد العاملة وارتفاع ثمنها، والنقص الحاد في الدواب التي كانت تساعد كثيرا على التغلب على مشاكل نقل المواد…، كل ذلك يضاعف من تكاليف عملية التهيئة الضرورية لمثل تلك المهمة.
وهذه هي الصور التي يمكن من خلالها أخذ فكرة على ماكان عليه أغرم إنرز، خاصة جهته الشرقية، وما آل إليه. وكذلك الشأن في الأماكن المحيطة به التي مكنت تلك الصو من توثيق تطورها والتغيرات الطارئة عليها.