تامسومانت انرز
مْلِيدْ إِثِنْزَارْ خْوَانْثْ ثْمِزَارْ
مسجد آيت مخشون – الجزء الأول
الإثنين, نوفمبر 10, 2014
ستتم معالجة هذا الموضوع من خلال التعرض بإيجاز لبعض النقط التي يظهر أنها تستحق الذكر، مع تعزيز كل ذلك، بقدر الإمكان، بالصور الموثقة للعمليات المنجزة في إطار بناء “النسخة الجديدة” من المسجد المذكور. ويتعلق الأمر بالنقط التالية:
1- مكانة المسجد في المجتمع المخشوني.
2- دوافع تجديد مسجد أيت مخشون والإجراءات المتخذة لتحقيق ذلك.
3- التسلسل الزمني لمشروع تشييد ” النسخة الجديدة” من مسجد أيت مخشون.
أ- مرحلة الجمود.
ب- نقطة التحول.
ج-الانطلاقة.
د- مراحل التشييد.
هـ- الروح المهيمنة على المشروع.
4- رهان ضمان عمارة مسجد أيت مخشون.
أ- تعريف “الشرط”.
ب- مكونات “الشرط”.
ج- ضوابط الالتزام بــــ”الشرط”.
د- التطورات والتحولات التي طرأت على ما جرت به العادة محليا فيما يخص الشرط.
هـ- طريقة استخلاص الشرط.
و- إكراهات إيجاد الأئمة.
5- حساب موارد ونفقات التشييد.
6- الخاتمة.
1- مكانة المسجد في المجتمع المخشوني:
على غرار التجمعات السكانية المشكلة لقبيلة أيت سغروشن والقبائل المجاورة لها، كانت للمسجد مكانة مرموقة بحيث كان يشكل بناءه أو تسييره وضمان استمرارية الإمامة فيه همّا جماعيا، ومجالا للتضامن والتآزرالذي يتنافس فيه الجميع. وفي هذا الصدد، وبحسب بعض المعلومات المستقاة من الذين سبقونا رحمة الله عليهم، فقد كانت لجدنا سيدي لحسن زاوية أو مسجد عبارة عن خيمة تنتقل أينما انتقل وارتحل. وقد بقيت بعده في يد أبنائه إلى أن تلاشت قطعها في وقت من الأوقات، ربما حينما تولت حالة الترحال وحلت محلها حالة الاستقرار في أماكن محددة، مما استوجب تغيير نمط العيش وتوفير المقومات المسايرة للوضعية الجديدة، ليس فقط فيما يخص المنشئات الخاصة (مآوي من مواد صلبة على شكل بنايات من الحجارة والطين المدقوق على الخصوص…)، ولكن أيضا بالنسبة للمرافق الجماعية، وفي مقدمتها بطبيعة الحال المسجد.
ومما يستدل به على هذا التحول في نمط العيش، التخلي عن ” المسجد الخيمة” وتعويضه بمسجد مبني أمام ضريح سيدي لحسن من جهة القبلة. وقد بقي العمل جاريا به إلى أن استبدل في بداية الخمسينيات بمسجد آخرتم تشييده غرب هذا الضريح والمقبرة المجاورة له.
وعلى ذكر تشييد المسجد الأخير، فقد عثرت ضمن الوثائق العائلية الموروثة على رسالة مرسلة من “جماعة آيت مخشون الغرب” (الفرع المخشوني الموجود بقيادة أيت سغروشن بوزملان بإقليم تاهلة) إلى “جماعة آيت مخشون الجبل” (سكان دوار آيت مخشون بالجماعة القروية المرس قيادة سكورة إقليم بولمان). ومما جاء في تلك الرسالة،” التعبير عن الفرح ببناء المسجد الجديد والاستعداد للمساهمة في تكاليف بنائه إذا دعت الضرورة لذلك. وقد كتبت باللغة الدارجة وبالأسلوب الرائج في ذلك الزمان الذي طغت فيه الأمية. ويظهر أن تكوين كاتبها، رحمه الله ومعه كل من ذكر فيها، لايسمح بأفضل من ذلك. المهم أن “الرسالة قد وصلت”.ومع الأسف، لم يذكر فيها لا يوم ولا سنة التحرير. وقد يكون ذلك حوالي سنة 1372 هجرية، أي ما يوافق سنة 1953 ميلادية.
ونظرا لمضمونها الذي يهم كافة آيت مخشون، على الأقل من حيث أنها تؤرخ للعلاقة التي كانت دائما تجمع بين “جماعتي” آيت مخشون في ” الغرب” و” الجبل”، والتشاور والتآزر الذي كانا دائما بينهما، ولكونها كذلك تعد جردا للأفراد المشكلين للجماعتين السالفتي الذكر، نوردها هنا عل القارئ الكريم أن يجد فيها ما يفيد. وهذه هي نسختها:
وهذه محاولة إعادة كتابتها تسهيلا لقراءتها:
” الحمد لله حده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه
إلى من يادن…بالرضى والرضوان وختم الله علينا وعليكم بالسعادة والغفران …بذلك المسمين الشرفاء أيت مخشون الأول منهم سيدي علي أحمد وزد سيدي محمد بلمقدم وزد سيدي أحمد بن بوچرين وزد سيدي عقى أحمو وزد سيدي محمد بن زهرة وزد سيدي أحمد العرب وزد سيدي محند أبن علا وزد سيدي علي أحمو وزد سيدي عقى أسعيد وزد سيدي يوسف أسعيد وزد سيدي عبد الله أسعيد وزد سيدي يوسف أعقى وزد سيدي سعيد اعقى وزد سيدي الحسين أعقى وزد سيدي بن عقى وزد سيدي حمو أسعيد وزد سيدي محمد أعبدالله وزد سيدي بلقاسم بن علي وزد سيدي الحسين العربي وزد سيدي الحسين أعلي وزد سيدي محمد بن زايد وزد سيدي الحسين أوشيخ وزد سيدي حمو أرح وزد سيدي بن رحو وزد سيدي علي أرحو. سلام الله عليك ورحمة الله تعالى وبركاته على الدوام.
أما بعد يا إخواننا الشرفاء كيف أنتم وكيف حالتكم المرضية أنتما فيها … الحمد لله منين انتما لباس يا إخواننا الله يجمعنا معكم في ساعة الخير إن شاء الله يا رب ولما يا أولاد عمنا اخبرتنا بأن كتبنوا جمع فرحنا غاية الفرح الله إعونكم الله إجمع الفريق متاعكم وزد يسلم عليكم السيد احسين أمقران ومع السيد محمد بن علي ومع السيد الحسين كبران ومع السيد محند الحسن ومع السيد محمد أعلي أمزيان ومع السيد لحسن أعلي ومع السيد علي أسعيد ومع السيد عبد القادر ومع السيد حساين بلحجور والسلام عليكم كثير السلام وكل سلام يتبعه ألف من السلام ومثله من التحية والإكرام.
و… يا إخواننا علاش كتبنا لكم على سبب المقدم تبدلوه أمبغتوش علش شف المقدم ليصلح بكم عملوه امحنا وفقنا لكم الأمر… سيد محمد بن زايد شف زير متع سيدي لحسن تبنو به إلى جمعها لكم إلى ما جمعش حيدوه شف واحد الأخر إلى مكيجمعش حيدوه … حنا عطنا لكم الفق (الوفق) إلى كيجمع خلوه ودبا بنو جمع ( الجامع) متع جدنا أمتخلوهش شف لمعلمين متع سيدي حسن بنو جمع إلى ما جبرتوش باش تبنو كسروا الفلوس نعطو حقنا معكم إلى ما جبرتوا باش تبنوها والسلام عن إدن سيدي عقى وسعيد المخشون … كتب الحروف أمنه الله وبه والسلام على القارئ والمستمع ولحضير … وحمع المسلمين بحق نب شفع
سيد بلهبوب وس ومع سيد محمد وعق حميل… الكتب وزد يسلم عليكم سيد عقى وسعيد كتب الحرف
شهر الله المبارك ثلاثين شعبان ).
ملاحظة حول معنى كلمة ” لْمْعَلْمِين” الواردة في السطر الخامس من الرسالة انطلاقا من سطرها الأخير:
المقصود بها العطايا من رؤس الأغنام والماعز، وفي بعض الأحيان من البقر، التي يتعهد بعض الزوار المترددين على زيارة ضريح سيدي لحسن والمناسبات التي ينظمها أحفاده بجواره تحت مسمى “أَسْشِّ” إذا استجاب الله لقضاء حاجاتهم. و يدخل ذلك في إطار ما يعرف بـــ” الوعدات” ، أو بـــ” زْيَارَ”، بحسب المناطق. و المراد من ذلك بيع تلك ” الوعدات/ لمعلمين” والاستعانة بأثمنتها في بناء المسجد. والمعلمين، جمع مفردها معلم أو “أَمْعَلَّمْ”، أي ما تم وسمه وتعيينه والاحتفاظ به لغرض معين وهو هنا ” الوعدة والزيارة” في انتظار وقت الوفاء.
ومما يؤكد اهتمام المجتمع المخشوني بالمساجد والعناية بها، توفره، في وقت من الأوقات، على مسجد آخر في المكان المعروف بــ”السهب أوعير”. ولا غرو، فدورها بالغ الأهمية. فبالإضافة إلى كونها مكانا للعبادة، استقبلت هذه المساجد عددا محترما من التلاميذ المعروفين آنذاك بــــ” إمْحْضَرْنْ”. وقد بلغ الأمر أوجه مع المسجد البديل ومسجد السهب أوعير، مع بزوغ فجر الاستقلال، حيث بلغ عدد المحاضرية فيهما حوالي العشرين فردا بين الذكور والإناث. وقد كان التنافس الشريف يحتدم بينهم، ولاسيما أثناء الموسم السنوي لسيدي لحسن بن مخشون، حيث يجتمعون في ضريح هذا الولي الصالح تحت إشراف الفقيهين المشرفين على تعليمهم لاسظهار ما تم حفظه من كتاب الله الكريم. إنها بحق من أجمل الذكريات لأولئك التلاميذ الذين قضوا فترة من عمرهم في رحاب كتاب الله وظلاله الوارفة.
لكن هذه الطفرة في الإقبال على حفظ كتاب الله وتحفيظه للناشئة لم تستمر طويلا. فما أن جاءت حملات التمدرس (انطلاقا على الخصوص من الموسم الدراسي 1958-1959) حتى تراجعت أعداد المترددين على المسجدين تدريجيا إلى أن توقفت فيهما الدراسة بصفة نهائية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فيما يتعلق بمسجد السهب أوعير، بل تعداه إلى توقف عمارته إلى أن تهدم بصفة تامة بسبب العجز عن مسايرة التطور الذي فرضته فترة ما بعد الاستقلال من هجرة وارتفاع نسبي في شرط ” أجرة ” الأئمة مقارنة مع ما كان الأمر عليه سابقا.
وعلى العكس من مسجد “السهب أوعير”، استطاع المسجد المجاور لضريح سيدي لحسن الصمود. ومما ساعده على ذلك، انضمام ممولي مسجد السهب أوعير إلى مموليه فخف حمل شرطه على الجميع.
وكما يظهر من الصور الآتية، فهذا الأخيرعبارة عن منشأة من طبق سفلي مستطيل بدون مئذنة. كما أنه لا يتوفر على مرافق الوضوء ولا إقامة الإمام. يبلغ طوله حوالي ثمانية أمتاروعرضه أربعة، وارتفاعه لا يتعدى المتران والنصف. وقد بني، كما جرت العادة، بأيادي مخشونية واستعملت في تشييده مواد محلية صرفه، من حجارة منجورة وطين، أي ما يعبر عنه محليا بـــ”لَعْجَنْتْ”. كما استعملت في سقفه، في بادئ الأمر، المواد المحلية كذلك من جذوع الأشجار وفروعها وأغصانها.
وبالجهود الجماعية ومساهمات من المحسنين المخشونيين تم تعويض السقف القديم لهذا المسجد بسقف من الأسمنت المسلح وتبليط جدرانه ، وذلك في التسعينيات من القرن العشرين الميلادي، وذلك كإجراء مؤقت في انتظار أن تسعف الظروف بنقله إلى مكان مناسب لتجديده على أحسن وجه.
2- دوافع تجديد مسجد آيت مخشون والاجراءات المتخذة لتحقيق ذلك:
من الأسباب التي دعت إلى عدم تجديد المسجد المذكور في نفس المكان الذي بني فيه:
– استقباله للمقبرة؛
– ولكن على الخصوص، لصعوبة تزويده بالمواد الضرورية للبناء، نظرا:
* من جهة، لاستحالة ذلك بواسطة الشاحنات بسبب وعورة المكان الذي يتواجد فيه، بحيث يفصل بينه وبين منتهى المسلك الطرقي القابل لتمرير الشاحنات، وادي المرس، كما يظهر من الصورتين أسفله: ( السهم يشير إلى المسجد )
* ومن جهة أخرى للتراجع المهمول في أعداد الدواب التي كانت فيما مضى الوسيلة الوحيدة الممكنة لإنجازهذه المهمة، بالإضافة إلى قلة اليد العاملة بسبب عاملي الهجرة والشيخوخة.
وعلى ذكر أعداد هذه الدواب، فبعما لم يكن أي مسكن مخشوني خاليا من بغل أو حمار، اصبحت اليوم تعد على رؤوس الأصابع. وهكذا، انحدرت أعدادها من حوالي 35 رأسا في الثمانينات من القرن العشرين الميلادي، إلى حوالي 15 رأســا حاليا (6 بغال و9 حمير) أي في شهر يونيو سنة 2015.
– إضافة إلى ما سبق، فإن افتقارالمسجد المذكورللمتطلبات الضرورية للعادة والعبادة، وبعده من أغلبية السكان، ومحدودية المساحة التي بني عليها، بحيث لاتسمح بتجديده على الوجه المرغوب فيه، زيادة على شدة انحدارها، فقد تم التفكير منذ الثمانينيات من نفس القرن على نقله إلى مكان آخر يمكن أن تتوفر فيه الشروط المطلوبة.
وبهذا الخصوص، بادرعدد من المحسنين إلى عرض قطع مناسبة للغرض في الأماكن المسماة “لسير الحاج”، و”بورتاغزوت موسى” و”ألمو” مجاور للقنطرة و” أسمن ” المجاور لقصبة إنيرز.
وبعد أخذ ورد ومناقشات حول استجابة الأماكن المقترحة للشروط التي من أجلها تم التفكير في استبدال المسجد العتيق، تم اللجوء إلى القرعة بين “ألمو” و ” أسمن”، فكانت النتيجة من نصيب المكان الأخير الذي تصدق به المرحوم السيد محمد بن محمد المقدم انــرز.
3- التسلسل الزمني لمشروع تشييد “النسخة الجديدة” من مسجد آيت مخشون:
مرحلة الجمود:
بعد تجاوزمرحلة اختيار المكان المناسب لإقامة المسجد، بقي المشروع مجمدا لسنوات لعدم توفر الأموال اللازمة لذلك. وقد صادف أن أحدثت خلال تلك الفترة “جمعية سيدي لحسن أمخشون للماء الصالح للشرب” التي رأت النورفي مستهل القرن الواحد والعشرين من السنة الميلادية في إطار “البرنامج الوطني لتزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب”، والذي استطاع بفضل الشراكات المبرمة بين الدولة من جهة والجماعات والجمعيات المحلية من جهة أخرى من تزويد جزء كبيرمن ساكنة البوادي المغربية بهذه المادة الحيوية.
وبعدما تأكد وصول الماء، الذي لا تخفى أهميته بالنسبة للطهارة التي هي أساس عدد من الشعائر الدينية، إلى كل المساكن توسع مجال اختيار الأماكن الصالحة لإقامة المسجد الجديد. وتبعا لذلك، فقد تم استبدال المكان الذي رست عليه القرعة سابقا، أي “أسمن” بمكان آخر في ملك نفس الواهب ووثقت العملية بوثيقة عدلية كما يتبين من الصورة أسفله، ثم بدأ الشروع في تدبير الموارد الضرورية لتنفيذ المشروع.
نقطة التحول:
وقد شاءت إرادة الله عز وجل أن يأتي حادث انهيار مسجد “باب البردعاين” في مدينة مكناس يوم الجمعة 21 فبراير 2010، والتي أتخذت على إثره، وبأمر من أمير المؤمنين صاحب الجلالة والمهابة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، عدة تدابير استباقية لتجنب تكرار مثل تلك الواقعة، لتقوي العزيمة وتشحد الهمم للتعجيل ببناء المسجد الجديد، سيما بعدما عاينت اللجنة التقنية المحلية المشكلة على صعيد الجماعة القروية بالمرس المسجد الوحيد بآيت مخشون وخلصت إلى أنه لا يستجيب لمعايير السلامة بسبب وجود شق في أحد أركانه.
وكنتيجة لذلك، فقد حذرت من دخوله، كما يتضح من الصورة أسفله، وكتبت على جنبات مدخله، بما توفر لذيها من أدوات،” ممنوع الدخول إلى المسجيد ” الداخل مسؤول على نفسو”.
وبالفعل، فقد تم، منذ ذلك التاريخ، تفادى الدخول إلى المسجد المذكور في انتظارما قد يتم اتخاذه من طرف الجهات الآمرة بإغلاقه من إجراءات لتصحيح الوضعية. وبعد مرور مدة طويلة على تلك الوضعية، واقتراب شهر رمضان وما يتطلب ذلك من إحياء ليالي رمضان بإقامة صلاة التراويح على الخصوص، تم الاتكال على الله، ثم على الموارد والمجهودات الذاتية للجماعة، كما جرت العادة بذلك منذ القدم، لبناء جديد بمواصفات أفضل من سابقه.
لمتابعة قراءة الموضوع ندعوك لزيارة ” مسجد آيت مخشون – الجزء التاني “